saqr
عضو فعال
- التسجيل
- 19 يوليو 2003
- المشاركات
- 832
- الإعجابات
- 1
.................................الكاتب : saqrثرثرة على هامش الاحتفاء بحركة 13 يونيو الناصرية
عبد الله الخولاني :الوحدوي نت
الاحد/19يونيو2005
- هذه المرة- استكمال الحديث إلى القوى الوطنية والقومية والتقدمية والإسلاموية ، عن الخطر المحدق بالوطن وما يتضمن من قيم مادية ومعنوية، وصولا إلى كلمة سواء بين الجميع - بدون استثناء- لإيجاد أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها لدرء الخطر، ولكن رأيت أن أؤجل ذلك إلى فرصة تالية، لأنني بعد أن استمتعت بقراءة ملخص الندوة التي نظمها فرع التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بصنعاء، احتفاء بالذكرى الحادية والثلاثين لحركة 13 يونيو الناصرية، تحركت في داخلي الأشجان والأشواق للأحبة الذين اصطفوا في ليلة الاثنين الماضي قبالة منصة الندوة ، التي كان نجمها المتلألئ المناضل الجسور " حاتم علي أبو حاتم" وإلى جواره المناضل والمثقف الثوري أحمد عبده سيف.
صحيح أن جسدي كان على بعد آلاف الأميال عن المكونات المادية والبشرية لمكان الندوة، لكن قلبي وعقلي تمكنا من اختزال المسافات الطوال، ليقفا عن كثب من أجواء الندوة، وأنا أقرأ الكلمات التي تمكن المهندس طيار " أبو حاتم" أن يقدم ( من خلال الندوة ومقابلته الصحفية مع" ناس برس" ) حركة 13 يونيو المجيدة في لوحة كاريكاتيرية، حاول رسامها بالخطوط الخفيفة جدا وغير الملونة، أن يبسِّط للأجيال - التي لم تعش الحدث وسنواته السمان- تعقيدات خطوط الحركة وتداخلاتها، رحمة بالأجيال نفسها، حتى لا تتأسى على حياة أصبحت ذكرى يعتز بها آباؤهم ، وحلما قد لا يتحقق بالنسبة لهم، لأنهم منذ أدركوا ماديات الحياة، قبل ثلاثة عقود إلا قليلا، يعيشون أوضاعا أسوأ من تلك الأوضاع التي ثارت عليها الحركة التي سمعوا عن قائدها عن طريق أهازيج أمهاتهم وهن يهدهدن أطفال اليوم الذين طرد جوع بطونهم نوم عيونهم.
لقد نظر أستاذي الفاضل "حاتم أبو حاتم" إلى الحركة - وهو يرسم لوحتها الكاريكاتيرية المفعمة بالنكتة البريئة- من زاوية لم يسبق للمؤرخين ، ولا للمحللين السياسيين أن نظروا للحوادث التأريخية العظيمة من خلالها، وبالتالي يسجَّل لأبي حاتم هذا الابتكار، الذي يمكن أن يعمم في الأوساط السياسية وبين المؤرخين، وربما تتشكل من خلال ذلك مدرسة تحليلية قد يُطلَق عليها مسمى (المدرسة الحاتمية في قراءة التأريخ ) لها منظِّروها ومريدوها. وبين شدة إعجابي بالرسم الكاريكاتيري لحركة 13 يونيو وعجبي لرسامها، تحرك فضولي الذي يزعجني كثيرا قبل أن يزعج الآخرين. وكعادته حطم كل ما حاولت تكوينه من صبر وأناة يتناسبان - على الأقل - مع تراكم سنوات العمر التي تجري سراعا، وأَصرَّ إلا أن يفرض ثقل دمه على موضوع الندوة التي أراد المناضل " أبو حاتم " أن يجعلها خفيفة ظل مثله، بأن صنع من الحركة وقائدها نكتة قهقه لها المستمعون، لكني أتوقع أن يتألم بسببها راويها ومستمعوها، عندما يكتشفون بأن الآخرين سيستخدمونها - عاجلا أو آجلا- بحقد أسود وبأسلوب مقيت لتشويه تأريخ الحركة وقائدها، تحت مبرر: " وشهد شاهد أهله". وما سأقوله ليس من قبيل الرد على أستاذٍ لي، يتقدمني بمراحل في الانتماء، ويتفوق عليَّ - بما لا يقبل المقارنة- في التضحيات العظيمة، التي قدمها هذا الكريم الحاتمي في سبيل الفكرة والهدف والأداة، وإنما من قبيل الفضول الحريص على سلامة التكوين العقلي للأجيال الناصرية الشابة، التي لم تعاصر الحركة.
لذلك أقول : إن حركة 13 يونيو استحقت شرف الانتماء إلى الحركة الناصرية، ليس كحدث انقلابي لحظي، وإنما بما تضمنته من أفكار ومبادئ أفصح عنها بيانها الأول، وأكدها قائدها العظيم بموافقته الكاملة على كل النقاط العشر الأساسية التي طرحها التنظيم من خلال ( رابطة طلاب اليمن - شمالا وجنوبا). واستطاعت الانتقال بكفاءة فائقة من مجرد انقلاب عسكري، إلى حركة تصحيحية دائمة لمسار ثورة 26 سبتمبر (الناصرية)، الذي حاولت الرجعية العربية والقوى الاستعمارية حرفه. وبالتالي كان مجال الحركة كما فهم الناس من بيانها الأول لا يقتصر على تصحيح أوضاع الجيش فقط ، بقدر ما كانت تجديدا للثورة الأم ورد اعتبار لكرامة شعب أهدرها الساجدون تحت أوتاد العروش. ولم يكن قائد الحركة شخصا هامشيا أو ضعيفا، حتى تستخدمه مراكز القوى العسكرية والقبلية كـ(فقيه بدل فقيه) ، لأنه برز من خلال مواقفه الوطنية الوحدوية المشرفة خلال الصدام المسلح الذي نشب بين النظامين الشطريين عام 1972 ، وأهلته رؤاه الصائبة والمستنيرة لمناصب رفيعة في الحكومات المتعاقبة آنذاك، كما أنه كسب حب و احترام منتسبي القوات المسلحة في كافة مستوياتها القيادية والقاعدية باستثناء الفاسدين الموالين للقبيلة والمشدودين إلى التعصب الحزبي الأعمى. وبالتالي كانت لديه القدرة على إنشاء تنظيمه العسكري السري.
وأنا أقول هذا لأن اسم الرجل وشخصيته كانا قد ارتسما في ذاكرتي مع بداية السبعينيات -أي قبل الحركة- حيث كان والدي وأخي - رحمهما الله- ضابطين في الجيش ، وكانا غالبا ما يتحدثان عن إبراهيم الحمدي ووطنيته داخل المؤسسة العسكرية التي نخرها الفساد، وكانا قبيل الحركة يعيشان حالة من القلق، كأنهما ينتظران حدوث شيء في غاية الأهمية. ولم تنفرج أسارير والدي إلا بعد أن عاد إليه أخي -الضابط في الحرس الجمهوري- ليقول له بالحرف: " شَحَنَّا القاضي جوا إلى سوريا بسلام".
أما مسألة أن يطعِّم الحمدي مجلس القيادة ببعض أقطاب مراكز القوى ، فتلك حكمة وتكتيك ، إذ كان لابد من استئناس مؤقت لوحوش قبلية وعسكرية كاسرة. فمن الجنون أن تُفتَح كل الجبهات في آن واحد، لأن ذلك معناه قتل الجنين قبل ولادته. ثم لم تكن المرحلة الثانية من الحركة التي حدثت في 27 أبريل من عام 1975 عملية اعتباطية، وإنما دليل على وجود عمل علمي منظم غير فردي يدير الحركة وينقلها من مرحلة إلى أخرى بنجاح. فلم تكن المرحلة التي بدأت في 27 أبريل هي آخر المراحل، بل تلتها مرحلة لجان التصحيح، وكان مخطط أن تليها مرحلة المؤتمر الشعبي العام الذي كان من المقرر عقده في ديسمبر عام 1977، لكن رصاصات المؤامرة كانت سباقة إلى جسد الشهيد، الذي كان شديد الإلحاح على التنظيم بأن يمسك زمام الأمور في البلاد، وكأنه كان على إحساس بقرب ارتقائه إلى مرتبة الشهداء بين النبيين والصديقين والصالحين.
وأعتقد أن أفضل من يمكنه أو يسمح له أن يقدم صورة صحيحة عن الإرهاصات الأولى السابقة للحركة، وعن أفكار إبراهيم الحمدي قبل انتمائه الفعلي للتنظيم، ومدى قربها أو بعدها عن التوجه الناصري ، هو الأخ عبد الله عبد العالم للأسباب التالية: أولا: لأن الرجلين كانا رفيقي درب قبل الحركة وبعدها. ثانيا: لأن عبد الله عبد العالم كان شريكا في تنفيذ الحركة وعضوا في مجلس القيادة. ثالثا: لأن عبد الله عبد العالم كان عضوا في التنظيم منذ عام 1967 - على حد علمي- وكان قياديا فيه ومسؤولا عن التمهيد للحوار بين الحمدي وقيادة التنظيم. ويجدر بالتنظيم أن يطلب من الأخ عبد الله عبد العالم الخروج من دائرة الصمت لتوضيح كثير من الملابسات الغامضة ، ومنها ما يتعلق بحركة 13 يونيو وقائدها. فليس ثمة جدوى من الصمت، ولن يخسر أكثر مما قد خسر حتى الآن، فضلا عن أن كشف الحقائق أمانة في عنقه. ولقد شهد المقربون من إبراهيم الحمدي بسعة ثقافته، ودماثة أخلاقه ، وأسلوبه الرفيع في الحوار والإقناع، وتقديم الآراء السديدة الفعالة وليس التوفيقية، وكل هذه المقومات هي التي قدمت شخص الحمدي وبلده وشعبه للزعماء العرب في قمة الجزائر عام 1975، وليس صناديق العنب هي التي سلبت جنانهم!!! لغو( المقايل ) هذا، حرام أن يقال في ندوة محترمة أقيمت لتقييم حركة لا تختزن ذاكرتا الشعب والتأريخ عنها إلا ما يشرفها ويشرف قائدها. وعلى الرغم من اعتزازنا بجودة العنب اليمني، الذي نتباهى به في الخارج، لكن أبا حاتم لم يكن موفقا في توظيفه في ندوة فكرية وسياسية مهمة، فلا هو أنصف العنب حقه في الإبراز الإعلاني، ولا هو جنب قائد الحركة من الاتهام بالسطحية والسذاجة، فما هكذا تورد الإبل يا سعد! ، أفلا يكفي أن تكون فكرة قوات الردع العربي التي طرحها زعيم اليمن لإيقاف النزيف الدموي الطائفي في لبنان بأن تشد انتباه الحكام العرب إلى بلد معروف عن ممثليها في المحافل الدولية والإقليمية بحسن السيرة والسلوك ، لأنهم أعضاء صامتون ، يرفعون أيديهم بالموافقة أو الرفض بناء على أوامر من عرَّابي القمم العربية والدولية؟! أترك الجواب لأبي حاتم ومن ضحكوا لنكتته في الندوة.
وأخيرا يتواضع الأخ العزيز أبو حاتم في مقابلته الصحفية كعادته، عندما ضيَّق دائرة المؤامرة على الشعب العربي في اليمن ، وعلى الحركة الناصرية ، وعلى قائد حركة 13 يونيو، وحصرها بجريمة جنائية نفذها ((الغشمي وشلته)). وهنا وإن كنا لا نبرئ من قصدهم أبو حاتم ، فإن الناصريين لم ولن يوجهوا أصابع الاتهام إلى شخص أو شُلَّة بعينها، فإبراهيم الحمدي أكبر من أن يقتله ((غشمي وشلته)).
فقد كان القائد الشهيد وما يحمله من أفكار وما يمثله من انتماء يعبر عن مشروع بناء دولة حديثة ، إذا ما كُتِب لها النجاح، فإنها كانت ستزلزل العروش والكروش الراعية للأطماع الاستعمارية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، التي حباها الله بالموقع الاستراتيجي، وأتخمها بالنفط الذي يمد الصناعات الغربية والشرقية بأسباب الحياة. وبأهمية المشروع ذاك ، تتجسم ضخامة المؤامرة، التي لم يكن ((الغشمي وشلته)) أبطالها الوحيدين، وإنما كانت مؤامرة دولية وإقليمية، والدليل أن أطرافا دولية وإقليمية حضرت المحاكمة القصيرة التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام ، بينما كانت يدا الغشمي - المسكين- ترتعشان، وقلبه يرتجف ، ولم يفارقه هاجس الخوف قبل الجريمة، لدرجة أنه كاد أن يتراجع عن التنفيذ، لو لم تسارع رصاصات ( تيس الضباط) إلى حسم الموقف. فبعد المواجهة والمكاشفة مع الحمدي في بيت العزيمة لم يكن ثمة مجال للتراجع. ثم بعد ذلك لم يسمح أقطاب المؤامرة للغشمي- المسكين- أن يعيش أكثر من ستة أشهر ، إذ حُكِم عليه بالإعدام أيضا لأن بقاءه بدأ يشكل خطرا على المتآمرين، بعد أن استحكمت فيه عقدة الذنب، فصادرت النوم من عينيه، واستحكمت بوضعه النفسي.
والناصريون وكل محبي الشهيد إبراهيم الحمدي لم ولن يقفوا موقف المواجهة حتى مع من أطلق (أو أطلقوا) الرصاص، وإنما المواجهة الحقيقية هي بين ( الخير) ممثلا بمشروع حضاري تقدمي تحرري كان الحمدي وحركته أحد حلقاته، وبين (الشر) ممثلا بتحالف رجعي استعماري، مازال قائما ومستمر التوسع في مطامعه. وسيستمر هذا الصراع وإن تعددت صوره واختلفت أساليبه وأدواته، فتلك سُنة الحياة، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. (…وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) صدق الله العظيم