الاشرف
عضو متميز
- التسجيل
- 2 مايو 2004
- المشاركات
- 1,225
- الإعجابات
- 0
تميّزت الشيعة الإمامية بالتأكيد على مسألة التقية وممارستها في الحياة السياسية والعامّة، فمن الضروري بحث هذه المسألة وإظهار حقيقتها بوصفها تشريعاً إلهيّاً ورد في لسان الآيات القرآنية، ولسان النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وروده في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبيان بعض أحكامها وذلك للرد على شبهات يثيرها البعض من الذين لم يستوعبوا حكمة تشريع التقية.
فلابد من إلقاء الضوء على حقيقة التقية في القرآن والحديث وبيان صلتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ينكشف أن التقية ليست باباً للفرار من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي طريقة إسلامية فَذَّةٌ نجدُ جذورها في القرآن الكريم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وابرز شاهد لذلك (مؤمن آل فرعون) الذي كان يكتم إيمانه تقية من فرعون وأسلوباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الواقع إن: (كل إنسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لابد أن يتكتم ويتقي في مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول، ومن المعلوم أن الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة أو أمّة أخرى، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا. ولهذا السبب امتازوا(بالتقية) وعرفوا بها دون سواهم)(1).
التقية في ضوء القرآن الكريم:
وردت عدة نصوص قرآنية في مقام تشريع التقية نوردها فيما يلي ونلاحظ دلالتها على التقية:
الآية الأولى: قال الله تعالى:
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اُكِره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(2).
قال المفسرون من السنة والشيعة (إن المشركين عذبوا عمار بن ياسر حتى يعطيهم من لسانه كلمة كافرة فتفوه بها مكرها فقال بعضهم: يا رسول الله إنَّ عماراً كفر فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): كلا إن عماراً ملئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه واختلط الإيمانُ بلحمه ودمه وجاء عمار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) باكياً فمسح عينيه وقال: ما لك؟ إن عادوا فَعُد فنزلت: إلا من اكره). وقال ابن كثير الشافعي الدمشقي في تفسير هذه الآية: اتفق العلماء على أن المكره يسوغ له النطق بكلمة الكفر إبقاءً على مهجته)(3).
جاء في تفسير الجلالين: (إلا من اكره) أخرج ابن إبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يهاجر إلى المدينة اخذ المشركون بلالاً وخباباً وعمار بن ياسر، فأما عمار فقال لهم كلمةً أعجبتهم تقيةً، فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) حدَّثه فقال: كيف كان حال قلبك حيث قلت أكان منشرحاً بالذي قلت؟ قال: لا. فأنزل الله (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(4).
فالآية تدلّ بوضوح على جواز قول كلمة الكفر تقيّةً إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان. وإذا جاز قول الكفر تقيّة جاز بالأولويّة القطعيّة السكوت على الكافرين والعاصين وعدم نهيهم عن منكر وهذا يعني أن تشريع اصل التقية موجود في القرآن الكريم وليست هي مسألة مختصة بالشيعة.
الآية الثانية: قال الله تعالى:
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم..)(5).
(قال السدي: كان القائل ابن عم فرعون، وقال غيره: كان المؤمن إسرائيلياً يكتم إيمانه عن آل فرعون)(6).
وقيل: إن هذا الرجل (كان يكتم إيمانه ستمائة سنة)(7).
ودلالة الآية على حسن موقف مؤمن آل فرعون من كتم إيمانه واضحة حيث ذكرته في مقام المديح، ثم عطفت عليه بعد ذلك: إن الله نجاه من بطش فرعون. والمعنى الوارد في الآية هو: التقية، فان الرجل كان يظهر لآل فرعون انه منهم، وليس هو كذلك حقيقة، وهذا الموقف منه ساعده على نصيحة فرعون وقومه وعظتهم إلا أن عظته لم تنفع إزاء غرور فرعون وعمى أتباعه.
الآية الثالثة: قال الله تعالى:
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ...)(8).
فقد ورد في تفسير الآية بالمأثور: (عن الحسين بن زيد بن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له ويقول: قال الله: (إلا أن تتقوا منهم تقاةً)(9).
والتقية هنا في إظهار المؤمنين الودّ والحبّ للكافرين، وان كانوا واقعاً لا يحبونهم كما هو مقتضى الإيمان، إذ لا يمكن للإنسان المؤمن أن يلتقي في عاطفة حبّ وعلاقة مودة مع الشخص الذي يكفر بالله... وجاز إظهار الودّ لهم واتخاذهم أولياء تقية منهم، ودفعاً لشرّهم... فتكون التقية جائزة وان كانت بإظهار خلاف الواقع... بل تكون واجبة فيما لو أدّى تركها إلى القتل والتهلكة أو ضرر يُعتّد به كما سوف نشير إليه في أحكام التقية إنشاء الله.
التقية في ضوء الروايات:
لقد تواتر نقل قصة عمار بن ياسر ومجموعة من ضعفاء المؤمنين في مكة عندما أخذهم المشركون وعذبوهم أشد العذاب حتى قال عمار وأصحابه كلمة الكفر.
فقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:
(إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(10) أن (عمار أعطاهم (أي للمشركين) ما أرادوا بلسانه مكرهاً فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله) كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن عادوا فعد)(11) وروى صاحب الكشاف تلك الرّواية مع إضافات أخرى حيث نَقَل:
(وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عماراً كفر؟ فقال: كلا إن عماراً مُلئَ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبكي فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه وقال ما لَكَ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت) ثم يعلق صاحب الكشاف على ذلك بقوله: (فان قلت:أي الأمرين أفضل أَفِعلُ عمار أم فعل أبويه؟ قلت: بل فعل أبويه لأنه في ترك التقية والصبر على القتل إعزاز للإسلام وقد روى إن مسيلمة (الكذاب) اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال فما تقول فِيَّ؟ قال: أنت أيضاً فخلاّه. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال رسول الله. قال: فما تقول فِيَّ قال: أنا أصمّ فأعاد عليه ثلاثا فأعاد جوابه فقتله. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله) أما الأول فقد اخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له)(12).
وذكر صاحب الكشاف عقب رواية عمار رواية مسيلمة الكذاب وحديث النبي ورجَّح به الإفصاح بالحق على التقية إلا أن هذا لا يضر بأصل مشروعية التقية.
ومن الروايات الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في تشريع التقية ما رواه مسعود العياشي في تفسيره عن الحسن بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه (قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له ويقول: قال الله تعالى: إلا أن تتقوا منهم تقاة)(13).
أما الروايات الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) فهي متواترة إجمالاً وفيما يلي ننقل قسماً منها في خصوص اصل التقية، وإنها من الدين على أن نتناول سائر الروايات المرتبطة بباب التقية في محلها من البحث.
فعن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا (قال: بما صبروا على التقية) ويدرؤون بالحسنة السيئة(14) قال: الحسنة التقية والسيئة الإذاعة)(15).
(وعن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)(16) و(عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): التقية من دين الله. قلت: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) والله ما كانوا سرقوا شيئاً ولقد قال إبراهيم
إني سقيم) والله ما كان سقيماً)(17).
و(عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليّ من التقية، يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله. يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة (18) فلو قد كان ذلك كان هذا)(19).
و(عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه لبعض اليونانيين: وآمرك أن تستعمل التقية في دينك، فان الله يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، وإياك إياك أن تتعرض للهلاك وأن تترك التقية التي أمرتك بها، فانك شايط بدمك(20) ودماء إخوانك، معرض لنعمك ونِعَمِهم للزوال، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك بإعزازهم)(21).
فلابد من إلقاء الضوء على حقيقة التقية في القرآن والحديث وبيان صلتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ينكشف أن التقية ليست باباً للفرار من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي طريقة إسلامية فَذَّةٌ نجدُ جذورها في القرآن الكريم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وابرز شاهد لذلك (مؤمن آل فرعون) الذي كان يكتم إيمانه تقية من فرعون وأسلوباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الواقع إن: (كل إنسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لابد أن يتكتم ويتقي في مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول، ومن المعلوم أن الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة أو أمّة أخرى، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا. ولهذا السبب امتازوا(بالتقية) وعرفوا بها دون سواهم)(1).
التقية في ضوء القرآن الكريم:
وردت عدة نصوص قرآنية في مقام تشريع التقية نوردها فيما يلي ونلاحظ دلالتها على التقية:
الآية الأولى: قال الله تعالى:
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اُكِره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(2).
قال المفسرون من السنة والشيعة (إن المشركين عذبوا عمار بن ياسر حتى يعطيهم من لسانه كلمة كافرة فتفوه بها مكرها فقال بعضهم: يا رسول الله إنَّ عماراً كفر فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): كلا إن عماراً ملئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه واختلط الإيمانُ بلحمه ودمه وجاء عمار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) باكياً فمسح عينيه وقال: ما لك؟ إن عادوا فَعُد فنزلت: إلا من اكره). وقال ابن كثير الشافعي الدمشقي في تفسير هذه الآية: اتفق العلماء على أن المكره يسوغ له النطق بكلمة الكفر إبقاءً على مهجته)(3).
جاء في تفسير الجلالين: (إلا من اكره) أخرج ابن إبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يهاجر إلى المدينة اخذ المشركون بلالاً وخباباً وعمار بن ياسر، فأما عمار فقال لهم كلمةً أعجبتهم تقيةً، فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) حدَّثه فقال: كيف كان حال قلبك حيث قلت أكان منشرحاً بالذي قلت؟ قال: لا. فأنزل الله (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(4).
فالآية تدلّ بوضوح على جواز قول كلمة الكفر تقيّةً إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان. وإذا جاز قول الكفر تقيّة جاز بالأولويّة القطعيّة السكوت على الكافرين والعاصين وعدم نهيهم عن منكر وهذا يعني أن تشريع اصل التقية موجود في القرآن الكريم وليست هي مسألة مختصة بالشيعة.
الآية الثانية: قال الله تعالى:
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم..)(5).
(قال السدي: كان القائل ابن عم فرعون، وقال غيره: كان المؤمن إسرائيلياً يكتم إيمانه عن آل فرعون)(6).
وقيل: إن هذا الرجل (كان يكتم إيمانه ستمائة سنة)(7).
ودلالة الآية على حسن موقف مؤمن آل فرعون من كتم إيمانه واضحة حيث ذكرته في مقام المديح، ثم عطفت عليه بعد ذلك: إن الله نجاه من بطش فرعون. والمعنى الوارد في الآية هو: التقية، فان الرجل كان يظهر لآل فرعون انه منهم، وليس هو كذلك حقيقة، وهذا الموقف منه ساعده على نصيحة فرعون وقومه وعظتهم إلا أن عظته لم تنفع إزاء غرور فرعون وعمى أتباعه.
الآية الثالثة: قال الله تعالى:
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ...)(8).
فقد ورد في تفسير الآية بالمأثور: (عن الحسين بن زيد بن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له ويقول: قال الله: (إلا أن تتقوا منهم تقاةً)(9).
والتقية هنا في إظهار المؤمنين الودّ والحبّ للكافرين، وان كانوا واقعاً لا يحبونهم كما هو مقتضى الإيمان، إذ لا يمكن للإنسان المؤمن أن يلتقي في عاطفة حبّ وعلاقة مودة مع الشخص الذي يكفر بالله... وجاز إظهار الودّ لهم واتخاذهم أولياء تقية منهم، ودفعاً لشرّهم... فتكون التقية جائزة وان كانت بإظهار خلاف الواقع... بل تكون واجبة فيما لو أدّى تركها إلى القتل والتهلكة أو ضرر يُعتّد به كما سوف نشير إليه في أحكام التقية إنشاء الله.
التقية في ضوء الروايات:
لقد تواتر نقل قصة عمار بن ياسر ومجموعة من ضعفاء المؤمنين في مكة عندما أخذهم المشركون وعذبوهم أشد العذاب حتى قال عمار وأصحابه كلمة الكفر.
فقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:
(إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(10) أن (عمار أعطاهم (أي للمشركين) ما أرادوا بلسانه مكرهاً فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله) كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن عادوا فعد)(11) وروى صاحب الكشاف تلك الرّواية مع إضافات أخرى حيث نَقَل:
(وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عماراً كفر؟ فقال: كلا إن عماراً مُلئَ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبكي فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه وقال ما لَكَ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت) ثم يعلق صاحب الكشاف على ذلك بقوله: (فان قلت:أي الأمرين أفضل أَفِعلُ عمار أم فعل أبويه؟ قلت: بل فعل أبويه لأنه في ترك التقية والصبر على القتل إعزاز للإسلام وقد روى إن مسيلمة (الكذاب) اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال فما تقول فِيَّ؟ قال: أنت أيضاً فخلاّه. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال رسول الله. قال: فما تقول فِيَّ قال: أنا أصمّ فأعاد عليه ثلاثا فأعاد جوابه فقتله. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله) أما الأول فقد اخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له)(12).
وذكر صاحب الكشاف عقب رواية عمار رواية مسيلمة الكذاب وحديث النبي ورجَّح به الإفصاح بالحق على التقية إلا أن هذا لا يضر بأصل مشروعية التقية.
ومن الروايات الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في تشريع التقية ما رواه مسعود العياشي في تفسيره عن الحسن بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه (قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له ويقول: قال الله تعالى: إلا أن تتقوا منهم تقاة)(13).
أما الروايات الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) فهي متواترة إجمالاً وفيما يلي ننقل قسماً منها في خصوص اصل التقية، وإنها من الدين على أن نتناول سائر الروايات المرتبطة بباب التقية في محلها من البحث.
فعن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا (قال: بما صبروا على التقية) ويدرؤون بالحسنة السيئة(14) قال: الحسنة التقية والسيئة الإذاعة)(15).
(وعن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)(16) و(عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): التقية من دين الله. قلت: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) والله ما كانوا سرقوا شيئاً ولقد قال إبراهيم
و(عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليّ من التقية، يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله. يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة (18) فلو قد كان ذلك كان هذا)(19).
و(عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه لبعض اليونانيين: وآمرك أن تستعمل التقية في دينك، فان الله يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، وإياك إياك أن تتعرض للهلاك وأن تترك التقية التي أمرتك بها، فانك شايط بدمك(20) ودماء إخوانك، معرض لنعمك ونِعَمِهم للزوال، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك بإعزازهم)(21).