مروان الغفوري
شاعر وكاتب
- التسجيل
- 13 يناير 2004
- المشاركات
- 752
- الإعجابات
- 0
[align=justify]
.
إلى صديقي العزيز / بو عمر .. .
http://ye22.com/vb/showthread.php?t=120595
لا أتحدّثُ عن " كعب بن زهير " و قصّة عفو رسول الله عنه .. و قصيدته البردة ! فقد أثبت الرجلُ فيما بعد أن " شروده " بهذه التركيبة النبوية لم يكن هستيريّا ً ، بل كان واقع حال متغيّر بناءً على استقراء ذاتي عميق ..
و بعد ..
( بوعمر ) أديب يماني يقيمُ في المهجر ، و هذه الصفّة الأدبية الصرفة في هذا الرجل العاطفي لا تنفكّ عنه . لذا فهو يعرض لكل مواقفه السياسية بحس الأديب و ميزانه المرهف ، محاولاً في الآن ذاته طرح تأصيلٍ منهجي لمادته العاطفية ..
أصدُقُكم القول أنّ أكثر ما يثيرني في كتابة هذا الرجل الذي توقّفتُ عن متابعة ما يكتبه منذ ما يربو على العام هو روحه التي تسيلُ ، فعلاً ، في نصوصه .. لذا فباستطاعته أن يدخل إلى قلوب الكثيرين بهدوء و رويّة حتى و إن كانوا يرفضون ما يقدّمه جملةً و تفصيلا ً ..
حمل " بو عمر " مشروع الدولة الحضرمية في جلّ كتاباته ، و سوّق لهذا المشروع بكل ما توافر لديه من تاريخ و تفكيك حاضر و مستقبل .. ثمّ عاد في مقاله الأخير المنشور هنا في المجلس اليمني ليتحدّث باسم الرجل الوحدوي الذي ثاب إلى جادّة الصواب بُعيد وصوله إلى " الأرض الموعودة " .. لكن المفارقة أنّه في الحالة الأولى كرّس مادته الذهنية لطرح مشروعه الانفصالي من خلال أسس فكرية لازمة ، لكنه ، بعد الأوبة الحميمة ، لم يطرَح أكثر من مشروع عاطفي .. بمعنى : يصحّ أن نقول : وحدوي يتنازل عن مشروع انفصالي ! على ما في هذه التسمية من وشاية بمفارقتين ، فالانفصال لدى " بو عمر " كان مشروعاً ، بينما لم تتجاوز الوحدويّة " رقرقة مدامع " .!
هذه الروح الجيّاشة أوشكت أن تكون أهم مميّزات الانساني اليماني قديماً و حديثاً ، و ارتبطت وثيقاً بالبينة النفسية اليمنية بشكل متوائم مع سرعة الغضب و ردة الفعل و الحكم المستعجل و الجاهز أحياناً ضد الآخر .. " حتى على مستوى رأس الدولة كما في حالات عديدة مثل : العفو عن الحوثي ، العفو عن قائمة ال_ 16 " رغم كل المنهجة العارمة التي تسبق احتدام هذه القضايا المفصلية ، لنفاجأ في آخر المطاف بتحويل القضايا إلى " مسألة و مكرمة " .. بمعنى : توليد حالة شعريّة مباغتة يكتبُ في نهايتها : ألستُم خير من ركب المطايا ! و " بياض العطايا في سواد المطالبِ " !
الغضب ، و العفو .. هما صورة واحدة لنفس مرهفة ضعيفة . و لعلّ أخطر ما في هذه البنية طغيان الروحي على الذهني ، مما يحوّل أغلب ممارسات هذه البنى النفسية إلى ردّات أفعال ، أو استجابة لتهييج عاطفي صرْف ، و من هنا ندركُ سر الامتناع النبوي عن تولية أبي ذر الغفاري لأمر العامّة " يا أبا ذر إنّك امرؤٌ ضعيف " .و هنا الإشارة إلى المزالق الخطيرة التي تنتظر من يشنغل بأمر العامة ، سواءً أكان حاكماً أو مثقّفاً ، إذ أن الانسياب العاطفي سيعكس رّكة في قراءة المشهد و توصيف سينمائي بحتٍ للصورة المتشابكة و غير الواضحة .
و عندما نسلّم بأن بنيةً نفسيةً ما تتكوّن من عاملي " الغضب و العفو " فعلينا ساعتئذٍ أن نستعد لملاحظة التركيبة المتبقيّة من هذه النسخة البشرية : غياب المشروع الواضح ، الهروب السيكلوجي الذي قد يوصِل إلى " الشرود الهستيري " .. أما الهروب السيكولوجي فهو البحث عن مفازات و مساحات تقي هذه البنيّة مغبّة و مضاعفات التفكير في محتويات الداخل . و أشهر مسبب للهروب السيكولوجي هو العجز عن إجراء حوار ذاتي مع الداخل الشخصي ، لئلا يكتشف هذا المرأ / المثال خللاً في المشروع أو ضبابيّة في الرؤية ، أو ربما عدميّة شاسعة .. هذا الهروب السيكولوجي قد يقودُ ، فيما بعد ، إلى شرود هستيري fugue .. عندما يجد المرأ / المثال نفسه وجهاً لوجه مع مفاهيم أو أحداث مناقضة أو صادمة تماماً لما عوّد عليه عينيه !
في حالتنا أعلاه " بو عُمَر " .. بعد أن شرَد في كل ناحية باحثاً عن ما يقنعهُ هو شخصيّاً بسلامة ما يدعو إليه فوجئ بنفسه في نهاية المطاف ، و في مدينة المكلا ، أمام سيل من الواقعيّات التي تناهض تفكيره بل تصيبُ " هروبه السيكولوجي " في الصميم ، فكتب ملاحظاته الآنية عن الوحدة و الانسان اليماني بشكل مفاجئ مثّل ، في تصوّري ، شروداً هيستيريّاً جديدا ً ..
و لأن حالة الشرود الهستيري تختفي عند أول تنبيه في الطريق ، فإنّ ما أزعمُه أنا أن " بو عمر " سرعان ما سينكصُ عن مقاله هذا و يعودُ إلى هروبه السابق ، ليس لشيء و إنّما لأنه ليس بمقدوره ، الآن و بعد كل ما أنفقه سابقاً ، البحث عن مبررات جديدة لانزياحه إلى جانب " الوحدويّين " . و ما يؤيّد هذا من مقاله أعلاه هو استدلاله البسيط على منطقية هذا الانزياح بقول المواطنين البسطاء : فقير الخير ، و هم يقصدون السخرية من " مرسال " في شهيرته " بشير الخير " .. فنحنُ ، بالفعل ، أمام حالة شرود هستيري يخرجُ بصاحبه من التنظير التاريخي و الاقتصادي و السياسي لمشروع " دولة حضرموت " إلى مستوى بدائي جدّاً في الحديثِ عن مشروع ناضجٍ ، أو أوشك أن يكمل نضجه ، و لعلّ أيضاً الاشارة إلى " السماطة " و " المعوز " في حديثِه تسجّل إدانة جديدة لحالة الشرود الهستيري !
" إحالة : عقل جديد لعالم جديد .. كيف نغيّر طريقة تفكيرنا لنحميَ مستقبلنا " !
مروان الغفوري .
القاهرة .
.
إلى صديقي العزيز / بو عمر .. .
http://ye22.com/vb/showthread.php?t=120595
لا أتحدّثُ عن " كعب بن زهير " و قصّة عفو رسول الله عنه .. و قصيدته البردة ! فقد أثبت الرجلُ فيما بعد أن " شروده " بهذه التركيبة النبوية لم يكن هستيريّا ً ، بل كان واقع حال متغيّر بناءً على استقراء ذاتي عميق ..
و بعد ..
( بوعمر ) أديب يماني يقيمُ في المهجر ، و هذه الصفّة الأدبية الصرفة في هذا الرجل العاطفي لا تنفكّ عنه . لذا فهو يعرض لكل مواقفه السياسية بحس الأديب و ميزانه المرهف ، محاولاً في الآن ذاته طرح تأصيلٍ منهجي لمادته العاطفية ..
أصدُقُكم القول أنّ أكثر ما يثيرني في كتابة هذا الرجل الذي توقّفتُ عن متابعة ما يكتبه منذ ما يربو على العام هو روحه التي تسيلُ ، فعلاً ، في نصوصه .. لذا فباستطاعته أن يدخل إلى قلوب الكثيرين بهدوء و رويّة حتى و إن كانوا يرفضون ما يقدّمه جملةً و تفصيلا ً ..
حمل " بو عمر " مشروع الدولة الحضرمية في جلّ كتاباته ، و سوّق لهذا المشروع بكل ما توافر لديه من تاريخ و تفكيك حاضر و مستقبل .. ثمّ عاد في مقاله الأخير المنشور هنا في المجلس اليمني ليتحدّث باسم الرجل الوحدوي الذي ثاب إلى جادّة الصواب بُعيد وصوله إلى " الأرض الموعودة " .. لكن المفارقة أنّه في الحالة الأولى كرّس مادته الذهنية لطرح مشروعه الانفصالي من خلال أسس فكرية لازمة ، لكنه ، بعد الأوبة الحميمة ، لم يطرَح أكثر من مشروع عاطفي .. بمعنى : يصحّ أن نقول : وحدوي يتنازل عن مشروع انفصالي ! على ما في هذه التسمية من وشاية بمفارقتين ، فالانفصال لدى " بو عمر " كان مشروعاً ، بينما لم تتجاوز الوحدويّة " رقرقة مدامع " .!
هذه الروح الجيّاشة أوشكت أن تكون أهم مميّزات الانساني اليماني قديماً و حديثاً ، و ارتبطت وثيقاً بالبينة النفسية اليمنية بشكل متوائم مع سرعة الغضب و ردة الفعل و الحكم المستعجل و الجاهز أحياناً ضد الآخر .. " حتى على مستوى رأس الدولة كما في حالات عديدة مثل : العفو عن الحوثي ، العفو عن قائمة ال_ 16 " رغم كل المنهجة العارمة التي تسبق احتدام هذه القضايا المفصلية ، لنفاجأ في آخر المطاف بتحويل القضايا إلى " مسألة و مكرمة " .. بمعنى : توليد حالة شعريّة مباغتة يكتبُ في نهايتها : ألستُم خير من ركب المطايا ! و " بياض العطايا في سواد المطالبِ " !
الغضب ، و العفو .. هما صورة واحدة لنفس مرهفة ضعيفة . و لعلّ أخطر ما في هذه البنية طغيان الروحي على الذهني ، مما يحوّل أغلب ممارسات هذه البنى النفسية إلى ردّات أفعال ، أو استجابة لتهييج عاطفي صرْف ، و من هنا ندركُ سر الامتناع النبوي عن تولية أبي ذر الغفاري لأمر العامّة " يا أبا ذر إنّك امرؤٌ ضعيف " .و هنا الإشارة إلى المزالق الخطيرة التي تنتظر من يشنغل بأمر العامة ، سواءً أكان حاكماً أو مثقّفاً ، إذ أن الانسياب العاطفي سيعكس رّكة في قراءة المشهد و توصيف سينمائي بحتٍ للصورة المتشابكة و غير الواضحة .
و عندما نسلّم بأن بنيةً نفسيةً ما تتكوّن من عاملي " الغضب و العفو " فعلينا ساعتئذٍ أن نستعد لملاحظة التركيبة المتبقيّة من هذه النسخة البشرية : غياب المشروع الواضح ، الهروب السيكلوجي الذي قد يوصِل إلى " الشرود الهستيري " .. أما الهروب السيكولوجي فهو البحث عن مفازات و مساحات تقي هذه البنيّة مغبّة و مضاعفات التفكير في محتويات الداخل . و أشهر مسبب للهروب السيكولوجي هو العجز عن إجراء حوار ذاتي مع الداخل الشخصي ، لئلا يكتشف هذا المرأ / المثال خللاً في المشروع أو ضبابيّة في الرؤية ، أو ربما عدميّة شاسعة .. هذا الهروب السيكولوجي قد يقودُ ، فيما بعد ، إلى شرود هستيري fugue .. عندما يجد المرأ / المثال نفسه وجهاً لوجه مع مفاهيم أو أحداث مناقضة أو صادمة تماماً لما عوّد عليه عينيه !
في حالتنا أعلاه " بو عُمَر " .. بعد أن شرَد في كل ناحية باحثاً عن ما يقنعهُ هو شخصيّاً بسلامة ما يدعو إليه فوجئ بنفسه في نهاية المطاف ، و في مدينة المكلا ، أمام سيل من الواقعيّات التي تناهض تفكيره بل تصيبُ " هروبه السيكولوجي " في الصميم ، فكتب ملاحظاته الآنية عن الوحدة و الانسان اليماني بشكل مفاجئ مثّل ، في تصوّري ، شروداً هيستيريّاً جديدا ً ..
و لأن حالة الشرود الهستيري تختفي عند أول تنبيه في الطريق ، فإنّ ما أزعمُه أنا أن " بو عمر " سرعان ما سينكصُ عن مقاله هذا و يعودُ إلى هروبه السابق ، ليس لشيء و إنّما لأنه ليس بمقدوره ، الآن و بعد كل ما أنفقه سابقاً ، البحث عن مبررات جديدة لانزياحه إلى جانب " الوحدويّين " . و ما يؤيّد هذا من مقاله أعلاه هو استدلاله البسيط على منطقية هذا الانزياح بقول المواطنين البسطاء : فقير الخير ، و هم يقصدون السخرية من " مرسال " في شهيرته " بشير الخير " .. فنحنُ ، بالفعل ، أمام حالة شرود هستيري يخرجُ بصاحبه من التنظير التاريخي و الاقتصادي و السياسي لمشروع " دولة حضرموت " إلى مستوى بدائي جدّاً في الحديثِ عن مشروع ناضجٍ ، أو أوشك أن يكمل نضجه ، و لعلّ أيضاً الاشارة إلى " السماطة " و " المعوز " في حديثِه تسجّل إدانة جديدة لحالة الشرود الهستيري !
" إحالة : عقل جديد لعالم جديد .. كيف نغيّر طريقة تفكيرنا لنحميَ مستقبلنا " !
مروان الغفوري .
القاهرة .